قد يقول قائل أنه يقدم تلك الاستشارات القانونية من باب الإنسانية أو كعمل يؤجر عليه لمن يستحق. ونقول لا بأس ونشجع على ذلك العمل، ولكن حتى يكتمل الأجر يجب أن يتم تخصيص جزء من وقت المحامي في العمل على هذه القضية ودراستها بشكل متكامل الأركان حتى تكون مثل غيرها من القضايا التي يعمل عليها.
لذلك خصص من وقتك عدد ساعات معين وليكن في نهاية الأسبوع مثلاً ساعتين لدراسة قضايا تقدم المشورة القانونية فيها بشكل مجاني لمن يستحق.
عندما يتصل المريض بالطبيب لمشكلة صحية يعاني منها. فإن الطبيب يصر على المعاينة السريرية للمريض بالإضافة إلى عمل بعض الفحوصات الطبية لكي يقدم تشخيص دقيق للحالة التي أمامه، وهذا هو تماماً ما ينبغي أن يكون عليه المحامي الناجح.
المنتج (خدمة أو سلعة):
للأسف أن البعض يجري مقارنات من حيث القيمة بين المنتج كسلعة ملموسة أو كخدمة، وهذا بلا شك خطأ كبير. بمثال بسيط، الطبيب لا يقدم للمريض أي سلعة ملموسة، هو يقدم فقط استشارة طبية للمريض نتجت عن دراسة حالة المريض والمعاينة السريرية له. وبلا شك عندما يتعلق الأمر بالصحة يرخص له كل ثمين،
وتخيل كذلك أن شركة ما تقوم بإنتاج سلعة عبارة عن ساعة مثلاً. قيمة البيع النهائية لها 10000 ريال سعودي ، استغرق العمل على هذه الساعة قرابة 10 دقائق بوجود الآلات و3 ساعات كاملة كعمل يدوي. سيشتري بعض الأشخاص تلك الساعة مع أنها جزء من الكماليات،
وبتلك القيمة مع وجود بديل أرخص يؤدي نفس الغرض. ويمكن لهذه الشركة كذلك أن تقلص قيمة ذلك المنتج من خلال تقليص عدد ساعات العمل عليها بتقليل العمل اليدوي لكي تعود بربح أكبر لها.
أما المحامي يقدم وقته وخبرته في دراسة قضية ما وهو نفس ما يقوم به الطبيب إلا أن المحامي الناجح لا يمكن له أن يخفض قيمة المنتج الذي يقدمه للعميل بل أنك ستبحث بلا شك عن المحامي الذي يعطي لقضيتك وقتها الكافي للدراسة.
“الوقت يساوي المال” بالنسبة للمحامي الناجح:
الخدمة التي يقدمها المحامي الناجح قد يستغرق العمل عليها مثلا 16 ساعة للدراسة و 4-6 ساعات عمل خارجي فقط، لا يمكن اجتزاء هذا الوقت من عمل المحامي تحت أي ظرف. فالخطأ هنا قاتل، ولا يمكن للآلة أن تؤدي هذا العمل، ولا يوجد بديل عن المحامي لحل تلك المسألة القانونية.
وفي حال أردت أن تبحث عن جودة العمل فلا شك أنك ستبحث عن محامي يقضي عدد ساعات اكثر ويقرأ مراجع أكثر في الدعوى التي تخصك، ليخرج لك بنتيجة تنتظرها منه.
الموظف يقضي عدد ساعات معين في مقر عمله يتقاضى لقاء تلك الساعات أجراً عنها. وكما يقال “الوقت يساوي المال” ، وهذا هو تماما ما ينطبق على عمل المحامي، حيث أن إنتاجية المحامي تعتمد على الوقت بشكل كامل بغض النظر عن احترافية المحامي في عمله.
فالمحامي سيقضي ساعات وربما أيام في دراسة قضية معينة، لذلك احترام وقت المحامي هو احترام للذات واحترام للمحامي نفسه واحترام لمهنة يعمل بها الآلاف وتعبوا في دراستها سنوات طويلة، ومن المؤكد أن المحامي الناجح المحترف سيتوقع أجراً عادلاً متوافقاً مع المجهود الذي يبذله.
ثقافة “وكل محامي ” :
في بعض المجتمعات والتي قد تكون أقل وعياً من المجتمع السعودي، وأقل قدرة مالية منه، لا يكاد يكون هناك شخص فيها إلا وقد لجأ لمحامي في أبسط القضايا التي تواجهه، لكن في المجتمع السعودي نجد أن المهنة لم تأخذ حقها في المجتمع بشكل صحيح لعدة أسباب منها :
– الاعتقاد بأن أتعاب المحاماة مرتفعة القيمة :
أتعاب المحاماة في الغالب تحددها كذلك مجموعة عوامل على سبيل المثال نوع و حجم الخدمة التي سيقدمها المحامي، هل هي مجرد استشارة قانونية شفوية أو كتابية، أو أنها ستتطلب من المحامي وقت طويل ما بين دراسة وحضور جلسات ومتابعة، لذلك فحجم أتعاب المحامي تحدده النتيجة التي تتوقعها أنت من قضيتك، قضية بسيطة مثلا لا تتطلب إلا استشارة شفوية من المحامي ستكون قيمتها في متناول اليد،
أما قضية ضخمة فحتما أن أتعابها ستكون متوافقة وحجم العمل عليها، وإلا تخيل لو خسرت قضيتك في ظل عدم وجود محامي يعمل عليها كم سيكون حجم خسارتك ؟، والملخص قبل أن تفكر فيما تدفع للمحامي فكر ماذا ستخسر لو لم توكل محامي.
– دخلاء المهنة :
المحامي درس سنوات عديدة وتدرب كذلك بضعة سنوات، وهذا السنوات كلها كانت ليتقن مهنة “تحقيق العدالة” ، إلا أن بعض الأشخاص قد يذهب لمخلص معاملات “معقب” مثلاً ويطلب منه مشورة قانونية بحكم “خبرته” في أنواع معينة من القضايا، وهنا تضيع الحقوق بلا شك،
لا يستقيم أن يتم مقارنة عمل المحامي الناجح الذي قضى سنوات من عمره في دراسة القانون مع شخص يعتمد على الخبرة فقط دون أدنى معرفة في أبجديات القانون، نعم معروف أن الخبرة مهمة جدا في أي مجال ، ولكن في مجال المحاماة الاعتماد عليها فقط يعد خطأ كبيراً قد تضيع بسببه الحقوق،
فالمحامي شخص متمرس بحكم الدراسة والخبرة ويعرف كيف يقرأ ويحلل النص القانوني ويعرف كيف يوظف النص القانوني في قضية قد تكون بسيطة في نظر البعض إلا أن عبارة واحدة فيها قد تعكس كامل مجريات القضية، وبالعودة إلى قصتنا في صدر هذه المقالة فإن المحامي الناجح هو الشخص الذي يعرف “أين يطرق”.
إقرأ أيضاً
المقال المذكور أعلاه كان بعنوان : المحامي يعرف أين يطرق!